شاركت المرأة الأحسائية بأعمال كثيرة في العمل الخيري، و أخذت المشاركة صورا عديدة ، ومن أكثرها بروزا الوقف الخيري، لنيل الأجر و الثواب من الله تعالى، وتلبية حاجات بعض أفراد المجتمع الأحسائي.
وفي سبيل العطاء الخيري قامت مجموعة من النساء بتحبيس بعض أملاكهن من العقارات الزراعية والأراضي والدكاكين والأدوات والكتب، مما كان له دور بارز في تحقيق التلاحم الاجتماعي، وثراء الحراك التعليمي و الإقتصادي.
و من الأعمال الخيرية سقيا الماء ، و قد حثَّ الدين الإسلامي عليها وجعلها من أفضل القربات، و حُبست عدة عقارات بالأحساء ؛ لتصرف غلاتها في هذا المجال و ضربت المرأة فاطمة بنت علي السهلاوي أنموذجا جيدا فإنها حبَّست وقفا سنة 1292ه، على مسجد السهالوة في قرية الطرف على أن يستثمره من يؤم المسجد ، ثم يعمل من غلته جرتي ماء عذب توضعان في المسجد في بعض المواسم.
و كان للوقف على قراءة القرآن الكريم نصيب من اهتمام النساء بوصف قراءته من أعظم الأعمال الصالحة ، و قد أوصت عائشة آل هزيم الجبور من سكنة قرية الجشة قديمًا بأن يكون عقارها الكائن في طرف قرية البطالية وقفًا في أوجه من البر و من ضمنها قراءة ختمة من القرآن الكريم كل سنة ، و أوصت بخيتة بنت محمد بن بتير من أهالي مدينة المبرز على يد أختها شريفة و من بعدها الصالح من الذرية ، و عيَّنت في الوصية قراءة جزء من القرآن العظيم في كل يوم على الدوام.
و أما إطعام الفقراء و المساكين و تفطير الصائمين فكان له مساحة واسعة و تضمنت وثائق كثيرة خاصة بالأوقاف و الوصايا الإشارة إلى حجم الاهتمام ، و جرت العادة أحيانا اختيار أحد العلماء للنظارة على الوقف و إخراج الطعام ، فالشيخ محمد بن عبدالله بن أحمد آل عبدالقادر (ت1288ه) قام بالنظارة على وقف المرأة نباتة بنت خالد و المخصص لإخراج قدر من الطعام.
ومن صور العمل الخيري وقف المصاحف الشريفة ؛ لقراءتها و تيسير الحصول عليها للراغبين؛ و لذا وقفت المرأة رضوى بنت ملفي مصحفا شريفا ، و جعلت النظارة على الشيخ علي بن عبدالرحمن بن أحمد الماص المالكي ، و نص الوقفية 🙁 أوقفت و أبَّدت و حبَّست و سرمدت رضوى بنت ملفي هذا المصحف الشريف على يد الفقير إلى الله علي بن عبدالرحمن بن محمد الماص و على ذريته من بعده ذكورا و إناثا وقفا صحيحا شرعيا لا يُباع و لا يُشرى ، فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ).
و حظي وقف الكتب العلمية في العلوم الشرعية و علوم الآلة بمشاركة نسائية فاعلة ، ففي أواخر القرن الثاني عشر الهجري و تحديدا سنة 1196ه سرمدت المرأة فاطمة بنت موسى بن ودي كتابين ، هما : كتاب المواد الشهية في حل ألفاظ العشماوية للشيخ إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي و كتاب شرح المنظومة العمريطية للشيخ إبراهيم بن حسن الملا الحنفي ، و جعلت النظارة على كلا الكتابين للشيخ مبارك بن علي المالكي.
و من المشاركات النسائية بناء المساجد ، و في هذا المجال برزت منيرة بنت براك الخالدي التي أنشأت مسجدا في محلة السياسب بمدينة المبرز ، و كان الناظر عليه الشيخ علي بن عبدالقادر الأنصاري الشافعي من أهل العلم في القرن الحادي عشر الهجري . و اتجهت بنات الواقفين إلى دعم أوقاف آبائهم مما حبسوه على المساجد فالمرأة مريم بنت عبدالله الخطيب الجعفري حبست أوقافا على مسجد والدها الكائن في محلة الكوت بمدينة الهفوف.
و ذكر الأستاذ حمد بن فرج العرجاني في رسالته للماجستير ( الوقف في الأحساء ) صورا جميلة من الوقف ، حيث حبست سارة بنت عبدالعزيز الزرعة بيتا على معتوقها و أثبت الوقف سنة 1369ه ، و أوصت المرأة لولوة بنت محمد بودي بإخراج كسوة في فصل الشتاء تعطى للمستحقات.
بقلم: الأستاذ عبدالله بن عيسى بن علي الذرمان