الدنيا كلها تقوم على قانون التفاضل والتفاوت، وأن عدم المساواة هو القاعدة في كل شيء، في النبات والحيوان والإنسان والجماد، ولهذا لو نظرنا إلى الحياة لوجدناها غير متساوية ولا متكافئة على مبدأ عدل الله العادل، ولهذا وزع الله الأرزاق بالعدل لا بالمساواة، لأن المساواة تحمل في طياتها إجحافاً أحياناً..
فمن أُعطي شيئاً من الدنيا نحن لا نعرف ما الذي أُخذ منه في المقابل، ودائماً ما يظن البعض فينا أن الله يعاقبنا في الدنيا على فعل ما قمنا به، فإذا ابتلانا الله بمرض أو برزق قليل أو بغيرها من الإبتلاءات، نبدأ في الشكوى والتذمر دون أن نعلم أن قسمة الله وتوزيعها بين البشر هي العدل في ذاته..
وبهذا الخصوص اروي لكم قصة من الماضي الجميل بتصرف مني، حيث حضر مجنون إلى مجلس أحد أعيان البلد وكان عنده ضيوف، فأحضر الرجل تمراً، وطلب من المجنون أن يقسمه بين الحضور، فقال المجنون للرجل: أأقسمه كقسمةِ الناسِ أم كقسمةِ الله؟! فقال له الرجل: اقسمه كقسمةِ الناسِ..
فأخذ المجنون طبق التمر، وأعطى كل واحدٍ من الحضور ثلاث تمرات، ووضع بقية الطبق أمام الرجل عندها قال الرجل: الآن أقسمه كقسمة الله!! فجمع المجنون التمر، وأعطى الأول تمرة، والثاني حفنة، والثالث لا شيء، والرابع ملأ حجره! فضحك الحاضرون طويلاً..
لقد أراد المجنون أن يقول لهم: إن لله حكمة في كل شيء، وإن أجمل مافي الحياة التفاوت والتفاضل، فلو أُعطي الناس كلهم المال مثلاً لم يعد له قيمة، ولو أُعطي كلهم الصحة ما كان للصحة قيمة، ولو أعطي كلهم العلم ما كان للعلم قيمة..
وإن أحد اسرار الحياة أن الله جعلنا كبشر نُكمل بعضنا لإعمار الأرض، وهي حكمة الله التي لا ندركها بعقولنا القاصرة، فعندما يعطي الله شيئاً من الدنيا لأحد فله سبحانه حكمة، وحين يمسكه عن أحد فله أيضاً عزوجل حكمة بلغية..
والأهم أن الله لو أعطى كل ملذات الدنيا لشخص ما، فهذا ليس معياراً لحب الله لهذا الشخص، لأن الله قد أعطى المال والملك لمن أبغضهم وأحبهم، ولكنه لم يعطِ الهداية إلا لمن أحبّ، ولهذا لا يجب أن نشتكي الله عما قدره علينا..
فالخير كل الخير ما اختاره الله لنا، لأن الله سبحانه وتعالى إذا أعطانا فقد أعطانا ماهو له، وإذا حرمنا فقد حرمنا مما ليس لنا أساساً، ولو كان المال دليلاً على محبة الله للناس لما ملك النمرود الأرض من مشارقها إلى مغاربها، ولما مضت الأشهر ولا يوقد في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ناراً للطعام!!
*ترويقة:*
الأشياء التي لا تصلك وأنت تحتاجها بشدة، هي أشياء قدر الله عزوجل لها التأجيل؛ لتأتيك في وقتها المُناسب، فلنكن من الشاكرين الصابرين وعلى يقين بأن الله لو كشف لنا حُجب الغيب ما اخترنا لأنفسنا إلا ما اختاره سبحانه وتعالى لنا..
*ومضة:*
أمر الله عزوجل بالعدل بين جميع الناس بشكلٍ مُطلق وفي كل زمان ومكان، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ)..
بقلم: صَالِح الرِّيمِي
*كن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*