وحي القلم

إذاً لا أبالي!

بقلم: صَالِح الرِّيمِي

أذكر لكم قصة جرت في أربعينات القرن الماضي يوم أن كانت مصر محتلة من قبل الانجليز، وخلاصتها أن رجلاً إنجليزياً كان يركب حماراً يسوقه أحد الفلاحين في إحدى قرى مصر، وكان الفلاح ناقماً على هذا “الخواجة” الذي يتعامل مع الجميع بأنفه وغطرسته، فما كان منه إلا وأخذ في توجيه الشتائم للرجل الراكب وهو يعلم أنه لن يفهم حرفاً مما يقول..

بدأ هذا مُريحاً للفلاح ونوعاً من القصاص العادل ـ من وجه نظره ـ تجاه ظلم هؤلاء القوم الذين أتوا من بلادهم البعيدة ليمصوا قوت الفلاحين وعرقهم.

غير أن أحد المارة غضب مما يفعله الفلاح، فذهب إلى الرجل الإنجليزي وقال له بالانجليزية: هل تعلم ما الذي يقوله هذا الفلاح لك، فأجابه الرجل الانجليزي بلامبالاة : لا..

فقال له الرجل: إنه يستغل عدم معرفتك بالعربية ويسبك مطمئناً أنك لن تفعل له شيئاً، فما كان من الرجل الانجليزي إلا أن قال له ببساطة ودون أن يلتفت للفلاح الوجل الخائف: وهل يؤثر هذا في خط سيره؟ أو يؤخرنا عن وصول مبتغانا؟ فقال له الرجل: لا، ولكن، هنا قاطعه الرجل الانجليزي وهو يشير للفلاح أن يُكمل سيره: إذاً لا أبالي!.

لقد أعجبت بهذا الرجل الذي علمني شيئاً هاماً، وهو أن أعرف هدفي وأمضي إليه دون أن أهتم بأي حواجز يحاول البعض أن يضعها أمامه، خصوصاً إذا كانت هذه الحواجز عبارات ناقمة، أو حاسدة، أو عدوانية، ستقولون لي أن ذلك صعب، ونحن بشر ورغم عنٌا سنتأثر مرة أو مرات عدة، وأن البشر هم شركاء الحياة ولا يمكن أن نعيش وحدنا..

أوافقكم الرأي أن نتأثر مرة، أن نحزن مرة، أن نتوقف متعجبين من كلام الناس مرة، لكني علينا أن نرفض تماماً بأن تسمح للآخرين أن يطأوا بكلماتهم القاسية أرضنا المقدسة، فيستخفوا بنا أو بأحلامنا، أو ينالوا من ثقتنا بأنفسنا.

*ترويقة:*
لقد قلبت في التاريخ وفي سير الأنبياء والصالحين، بالرغم ما يحملونه بداخلهم من خير للبشرية، فلم أرى واحداً منهم عاش بعيداً عن الاهانة والابتلاء الذي يقابلهم به البشر، لقد نالهم من بغي وظلم الناس وسوء ظنهم الشيء الكثير، لكن هدفهم الصادق كانت اسمى من كلام الناس وردود أفعالهم، لأن غايتهم هو نفع الناس وإنقاذهم من الظلمات والشرور التي تمتلئ بها الحياة.

*ومضة:*
إنها سُنة الله في الكون، والغلبة في معركة الحياة لا تتأتى إلا لمن مضى في طريقه غير عابئ بما يقوله الناس ويلمزوه به، فالخير الذي بداخلك، والثقة التي تحركك، والتفاؤل الذي تتمسك به أقوى من كل إحباطات العالم.

بقلم: صَالِح الرِّيمِي

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى