خطيب المسجد النبوي: من اغتنام العشر الإكثار من الأعمال الصالحة فيه
قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالمحسن بن محمد القاسم -في خطبة الجمعة-: السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرّب إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات، ويفوز بجنة عرضها الأرض والسموات.
وأضاف: تتجدد مواسم الخيرات على العباد فضلاً من الله وكرما؛ فما إن تنقضي شعيرة إلا وتليها عبادة أخرى؛ ليغسلوا فيها درنهم، وتعلو بها درجاتهم، وقد أظلتنا أيام عشر مباركة، هي خير الأيام وأفضلها، وأجلها وأعظمها، أقسم الله بها، فقال: (والفجر، وليال عشر)، قال مسروق رحمه الله: «هي عشر الأضحى، أفضل أيام السنة»، وهي من أيام الله الحرم، وخاتمة الأشهر المعلومات التي قال الله فيها: (الحج أشهر معلومات) قال كعب رحمه الله: «أحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأُوَل»، نهارها أفضل من نهار العشر الأواخر من رمضان؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل أيام الدنيا: أيام العشر».
وتابع: وفضيلة عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها – من الصلاة،
والصيام، والصدقة، والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيرها، والتفاضل بين الليالي والأيام داع لاغتنام الخير فيها، ومن اغتنام العشر: الإكثار من الأعمال الصالحة فيها؛ فالعمل الصالح فيها أحب إلى الله من نفس العمل إذا وقع في غيرها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»؛ قال النووي رحمه الله: «يستحب الإكثار من الأذكار في هذه العشر زيادة على غيرها، ويستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر»، وأفضل الذكر: تلاوة كتاب الله؛ فهو الهدى والنور المبين.
وأضاف: كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما»؛ كما يشرع التكبير المقيد عقب الصلوات، من فجر عرفة للحجاج وغيرهم إلى عصر آخر أيام التشريق عقب كل صلاة، والصدقة عمل صالح، بها تفرج كروب وتزول أحزان، وخير ما تكون في وقت الحاجة وشريف الزمان، وبما يستحب في العشر: صيام التسعة الأولى منها، قال النووي رحمه الله: «مستحب استحباباً شديداً»، وصيام يوم عرفة «يكفر السنة الماضية والباقية) والأفضل للحاج أن لا يصومه؛ تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإبقاء لقؤته ليستكثر من التضرع والدعاء.
ويوم عرفة ملتقى المسلمين المشهود، يوم رجاء وخشوع، وذل وخضوع، يوم كريم على المسلمين ف«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة»، قال ابن عبد البر رحمه الله: «دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب».
وفي عشر ذي الحجة يوم النحر؛ أعظم الأيام عند الله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله: يوم النحر، ثم يوم القر».
وتابع: ومع سرور الناس بالعيد قد يغفل بعضهم عن ذكر الله، قال سبحانه: (واذكروا
الله في أيام معدودات)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الأيام المعدودات: أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد النحر»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق: أيام أكل، وشرب، وذكر لله»، وفي أيام النحر والتشريق عبادة مالية بدنية هي من أحب الأعمال إلى الله، قرنها الله بالصلاة؛ فقال سبحانه: (فصل لربك وانحر)، وقد حث الله على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخر ولا رياء ولا سمعة ولا مجرد عادة، فقال سبحانه: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)؛ وقد«ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده»؛ والأملح: الأسود الذي يعلو شعره بياض، والأقرن: ذو القرون.
وأفضل الأضاحي: أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها، وتجزئ شاة واحدة عن الرجل وعن أهل بيته، ولا بأس أن يقترض الرجل ليضحي، ويحتسب الخلف من الله، ولا يتذمر من غلاء ثمنها؛ فثوابها عند الله عظيم، فطيبوا بها نفساً، وكلوا، وأطعموا، وتصدقوا، وتحروا بصدقاتكم فقراءكم، وبهداياكم منها أرحامكم وجيرانكم.