بيوت الشعر .. رمز من عمق الصحراء
مع دخول فصل الشتاء يزداد الإقبال على شراء بيوت الشعر والخيام من أجل رحلات التخييم في المناطق البرية والمتنزهات، وإقامة الملتقيات العائلية، أو وضعها في فناء المنازل والمزارع والاستراحات، حيث بقيت بيوت الشعر والخيام رغم مظاهر الحياة العصرية الحديثة، تراثاً حياً وعنصراً تقليدياً لا يستغني عنه العديد من السعوديين، بصفته مفردة متميزة من موروث الحياة اليومية للآباء والأجداد في عمق البادية والصحراء، تسكن إليه النفوس، وتهفو إليه أفئدة الشعراء.
وتعد بيوت الشعر من أهم رموز صحراء البادية صيفاً وشتاءً، وتحاكي عراقة الماضي الأصيل الذي عاشه الآباء والأجداد، وفي الوقت الحاضر، أصبحت ضمن كماليات العديد من المنازل لوضعها في الفناء، فهي تستهوي كثيرين ممن يحرصون على نصبها داخل منازلهم، لقضاء بعض الأوقات فيها والاجتماع مع العائلة والأصدقاء والأقارب، كما أصبحت مقراً للمناسبات واستقبال الضيوف واحتضان الملتقيات الأسرية والعائلية.
ويبدأ الاستعداد للتخييم أو بناء بيوت الشعر في المنازل منذ وقت مبكر قبل دخول الشتاء، وكلما انخفضت درجات الحرارة تسارعت وتيرة الإقبال عليها وتجهيزها بقطع الأثاث والإنارة والقهوة والشاي، والحطب والفحم لإشعال النار والتدفئة، حيث تستهوي بيوت الشعر عشاقها الذين يحرصون على الجلوس فيها من وقت لآخر، وتحتضن الضيوف والزوار، باعتبارها مقراً مناسباً للاجتماع، يتوافد عليه رواده باستمرار، وخصوصاً في ليالي فصل الشتاء الباردة التي تجبر أصحاب المنازل على البقاء فيها خلال موسم البرد القارس، حيث تضفي عليه بيوت الشعر أجواء من الدفء والمتعة.
ويقول محمد الشمري وهو أحد بائعي بيوت الشعر والخيام ولوازم التخييم إن الإقبال على شراء بيوت الشعر تزايد في الفترة الأخيرة، سواء في فصل الصيف أو الشتاء، إلا أن حجم الطلب عليها يرتفع في الفترة التي تسبق دخول فصل الشتاء أكثر من أي فترة أخرى، مع تفاوت أسعار بيوت الشعر باختلاف نوعية القماش الداخلي أو الخارجي وتجهيزات البيت من الفرش ومدخنة النار واللوازم الأخرى.
ومنذ القدم اعتمد سكان البادية في الجزيرة العربية على بيوت الشعر التي تعد مفردة ثقافية أصيلة في التراث العربي، تناسب البيئة الصحراوية ومناخها، كما تناسب حياة الترحال والتنقل التي لا تعرف الاستقرار طويلاً في مكان واحد، كونها سهلة الحمل والنقل مقارنة بالمباني، وتتنوع مادة بيوت الشعر والخيام ما بين وبر الإبل وصوف الضأن وشعر الماعز والأقمشة، بالإضافة إلى السدو وتوظف هذه المكونات في بيوت الشعر لتوفر الحماية من البرد والأمطار وعواصف الرمال وحرارة الشمس في البادية والصحراء، حيث تتميز خيوط الشعر بالتضخم في موسم الأمطار وتضيق المساحات بينها فتمنع تسرب المياه إلى البيت.
وتغني العديد من الشعراء وأبناء البادية قديماً وحديثاً ببيوت الشعر والخيام التي تألفها النفس ولا يرتضي ساكنها عنها بديلاً بما علق بروحه فيها من ذكريات وحنين، ومن ذلك قول أبي العلاء المعري: فالحُسنُ يَظهرُ في شيئين رَوْنقُه … بيتٍ من الشِّعْرِ أو بيْتٍ من الشّعَرِ ومنه أيضاً الأبيات المشهورة لميسون بنت بحدل الكلبية التي تزوجت وانتقلت من البادية إلى القصور في الشام وأخذها الحنين إلى بيوت الشعر والخيام فأنشدت تقول:
لبيت تخفق الأرواح فيه … أحب إلي من قصر منيف
وأصوات الرياح بكل فج … أحب إلي من نقر الدفوف
وتتولى منظومة البيئة بالمملكة تنظيم أنشطة التخييم، حيث يصدر المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر تصاريح المخيمات للجهات الحكومية والأفراد في أراضي الغطاء النباتي والمتنزهات الوطنية عن طريق إدارات تنمية الغطاء النباتي في المناطق، وإدارات المتنزهات الوطنية، وفروع وزارة البيئة والمياه والزراعة.
ويشترط للحصول على التراخيص مجموعة شروط منها أن يكون تحديد موقع التخييم تحت إشراف المركز، وتوفير أدوات الأمن والسلامة، وعدم تجاوز مدة التخييم 3 أشهر، والمحافظة على الغطاء النباتي في مواقع التخييم.
وتختار بعض الملتقيات العائلية بيوت الشعر لاحتضان مثل هذه المناسبات حيث يحرص القائمون عليها على تنظيمها في بيت من الشعر،
وقال العم رخاء الحسيب إن الملتقيات العائلية في بيوت الشعر تتميز بطابع أصيل وتجسد قيم التكاتف والتعاون وصلة الأرحام، ولها دور كبير في تنمية أواصر المودة والتفاهم، وربط الأقارب والأسر مع بعضها البعض.
وأوضح سلطان منصور الحموان أن إقامة مثل هذه الملتقيات في بيوت الشعر والخيام فرصة للنشء والأشبال من الأجيال الجديدة للتطبع بالعادات والتقاليد التي نشأ عليها الآباء والأجداد، من خلال الالتقاء بالآباء والأعمام وأبناء العم الأكبر سناً في موقع واحد، ما يسهم في توجيه النشء وترسيخ القيم والموروث الاجتماعي والعائلي، مشيراً إلى أهمية بيوت الشعر باعتبارها تراثاً حياً وموروثاً من حياة الآباء والأجداد ، مضيفاً أن التخييم وعقد الملتقيات العائلية في بيوت الشعر يصل الماضي بالحاضر ويربط الجيل الحالي بتراث الجزيرة العربية الأصيل.