الماء والهواء والحرارة ليست شرطا للحياة على المريخ
“ليس شرطا أن تتنفس الكائنات الحية على المريخ هواء كهوائنا أو مياه مثلنا أو تعيش في درجة حرارة كالتي على الأرض لنثبت أن هناك حياة على الكوكب الأحمر”، بهذه الكلمات علَّق رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك، عصام جودة، على آخر تقارير وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” القادم لها من المريخ عبر مركبتها “المثابرة”.
وتلقت “ناسا”، من مركبتها أول بيانات عن الطقس في منطقة “جيزيرو كريتر”، وهي خاصة بدرجات الحرارة التي تؤشر لاحتمال أو استحالة وجود حياة على الكوكب الأحمر في الماضي.
وهبطت مركبة “برسيفيرنس” الفضائية التابعة للوكالة بنجاح على سطح المريخ في 18 فبراير الماضي؛ لتكمل بذلك رحلة استغرقت نحو 7 أشهر، قطعت خلالها نحو نصف مليار كيلومتر.
وأول مستقر للمركبة المزودة بست عجلات هو فوهة عميقة قرب خط استواء المريخ، تُسمى “جيزيرو كريتر”، وستقضي العامين المقبلين على الأقل في حفر صخور على سطح الكوكب؛ بحثا عن آثار تدل على وجود حياة في الماضي.
ويُعتقد أن الفوهة كانت تضم بحيرة عملاقة قبل مليارات السنين. وحيثما كان هناك ماء، يوجد احتمال وجود حياة أيضا.
وتم تشغيل نظام محلل الديناميكيات البيئية للمريخ MEDA على متن المركبة الجوالة المثابرة لأول مرة لمدة 30 دقيقة في 19 فبراير، أي بعد يوم واحد من هبوط المركبة على الكوكب الأحمر.
وفي حوالي الساعة 8:25 مساء في نفس اليوم، تلقى المهندسون بيانات أولية.
وبحسب ما نشره الباحث الرئيسي في نظام محلل الديناميكيات البيئية للمريخ MEDA خوسيه أنطونيو رودريغيز مانفريدي، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا فإنها: “كانت تلك لحظات من الحماس والإثارة. فأخيرا، بعد سنوات من العمل والتخطيط، تلقينا أول تقرير بيانات”.
ويزن نظام محلل MEDA حوالي 5.5 كيلوغرامات ويحتوي على مجموعة أجهزة الاستشعار البيئية لتسجيل مستويات الغبار وستة ظروف جوية “الرياح (السرعة والاتجاه)، الضغط، الرطوبة النسبية درجة حرارة الهواء، درجة حرارة الأرض، والإشعاع (من كل من الشمس والفضاء)”.
وعندما تلقى المهندسون بيانات النظام الأولى على الأرض، قاموا بتجميع أول تقرير عن الطقس عن “جيزيرو كريتر” بالمريخ التي هبطت عليها المركبة.
درجة حرارة أقل من الأرض
وأظهرت البيانات أن درجة الحرارة كانت أقل بقليل من سالب 20 درجة مئوية على السطح عندما بدأ النظام في التسجيل، وانخفضت درجة الحرارة إلى سالب 25.6 درجة مئوية في غضون 30 دقيقة، وهي معدلات أقل مما يحتاجه وجود حياة بشرية كالتي على الأرض.
وأظهرت مستشعرات الضغط أن الضغط على المريخ كان 718 باسكال، ضمن نطاق 705-735 باسكال الذي تنبأت به نماذجهم لذلك الوقت على المريخ.
ويقول رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك، عصام جودة، إن “التعرف على الطقس على سطح المريخ، إحدى سبل البشرية الأكثر أهمية للتعرف على إمكانية وجود حياة في الماضي على الكوكب الأحمر”.
وشارحا في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية: “تسعى البشرية، والتي تقود جهودها وكالة ناسا، للبحث عن مقومات للحياة في الماضي على المريخ، وفقا لتعريفنا البشري لها، والتي من مقوماتها وجود المياه؛ فوجود مياه في صورة سائلة في الماضي يزيد من احتمالية وجود حياة، ولا يمكن أن تكون المياه في حالة سائلة إلا في مدى درجة حرارة معينة، إن زادت عنها أو قلت فلا احتمالية لوجود تلك المياه أو الحياة وفقا لتصوراتنا البشرية”.
المياه والحرارة ليستا شرطا للحياة
ويضيف جودة: “لكن ذلك لا ينفي أيضا احتمالية وجود حياة على المريخ مغايرة لتلك التي نعرفها على الأرض، فيحتمل أن تكون الحياة التي نبحث عنها لكائنات حية بسيطة ميكروبية أو بكتيرية أو طحلبية أو ما شابه، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الكائنات من لحم ودم أو حتى تتنفس الهواء وتشرب الماء مثلنا، فقد تكون لهذه الكائنات شكل ومضمون مختلف تماما عن شكل ومضمون البشر”.
وخلال العام المقبل، سيوفر نظام محلل الديناميكيات البيئية للمريخ MEDA معلومات قيمة عن دورات درجة الحرارة، وتدفق الحرارة، ودورات الغبار، وكيفية تفاعل جزيئات الغبار مع الضوء، مما يؤثر في النهاية على درجة الحرارة والطقس.
ويعلق جودة: “أن دراسة درجة الحرارة هو جزء محوري في دراسة الغلاف الجوي، فالتغير في درجة الحرارة يعطينا مؤشر عن سلوك الغلاف الجوي للمريخ”.
ويمكن لنظام MEDA تسجيل درجة الحرارة على ثلاثة ارتفاعات جوية: 0.84 متر، و1.45 متر، و30 مترا، بالإضافة إلى درجة حرارة السطح، ويستخدم أجهزة استشعار على جسم المركبة وصاريها ومستشعر الأشعة تحت الحمراء القادر على قياس الحرارة على ارتفاع 100 قدم تقريبا فوق العربة الجوالة، ويسجل أيضا مستويات الإشعاع بالقرب من السطح، مما يساعد في التحضير لمهام الاستكشاف البشرية على المريخ.
وعن تلك المؤشرات الأولية التي تتوافر لنا عن احتمالية وجود حياة في الماضي على المريخ، يقول جودة: “رغم توافر احتمالات كثيرة على وجود حياة في الماضي على الكوكب الأحمر، كوجود آثار لقنوات مياه على المريخ، ووجود غازات، والتي تنشأ من الحياة العضوية وفقا لمفهومنا البشري، من المبكر جدا الجزم باحتمالية وجود تلك الحياة في الماضي، فيشير وجود قنوات متصحرة للمياه على المريخ إلى احتمالية وجود حياة في السابق، بنفس القدر من الاحتمال بأن يكون هذا التصحر مصاحبا للكوكب الأحمر منذ نشأته”.