العمل التطوعي ما بين العمل الخيري والاستغلال
استطلاع تطرحه الديرة على مستوى الرأي والدراسة
يجمع الكثير من المهتمين بالعمل التطوعي على أنه أحد المصادر المُهمّة للخير؛ كونه يساهمُ في عكسِ صورةٍ إيجابيةً عن المجتمع، ناشرًا للأخلاق الحميدة بين أفراد المجتمع، بل ويرى البعض أنه يأتي بإرادة ذاتية للقيام بالعمل دون أجر مادي، فيما يحذر البعض من استغلال بعض مؤسسات القطاع الخاص والأهلي في سلب جهود المتطوعين بغير مجالات التطوع لتلمع صورة التطوع في قالب من الاستغلال وتوفير المال لها.
استطلاع/ عبداللطيف المحيسن*
ومن هنا توجهنا بالسؤال للمهتمين بالعمل التطوعي عن إذا ما كان هناك استغلال من بعض الجهات للشباب في الأعمال التطوعية دون مقابل.
يقول الكاتب السعودي “يوسف أحمد الحسن”:
بداية دعنا نتفق على أن المتطوع هو (كل من يقدم عملًا تطوعيًّا دون اشتراط مقابل مادي أو معنوي)، لذا فإنه ليس للمتطوع أن يتوقع مقابلًا ماديًا أو معنويًا نتيجة اشتراكه في أي عمل تطوعي، إلا أنه هناك بعض الالتزامات المعروفة والمقرة عالميًا ومحليًا على الجهات المستفيدة من المتطوعين، والتي تعتبر كحقوق للمتطوعين، ويشكل الإخلال بها نوعًا من الاستغلال السيء لهم، ومنها على سبيل المثال: حق المتطوع في التدرب على العمل التطوعي المتوقع، والحصول على الأجهزة والأدوات والملابس اللازمة لعمله التطوعي، وحقه في الحصول على الإعاشة والمواصلات وحتى السكن إذا كان العمل التطوعي خارج مقر إقامته، كذلك فإن له الحق في العلاج في حال إصابته خلال العمل التطوعي أو حتى خلال التدرب على ذلك أو خلال ذهابه أو عودته منه، وعند الإخلال بهذه البنود واستغلال المتطوعين فلهم – بطبيعة الحال – الحق في تقديم شكاوى إلى الجهة المعتمدة، وهي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ولذلك فإن على الإعلام مسؤولية التوعية بذلك، لتحفيز المزيد من الناس على هذه الأعمال التي يحث عليها ديننا الحنيف وتعتبر مساهمة حقيقية في التنمية الوطنية.
وقد وصف المهندس “زكي بن عبدالرحمن الجوهر”، المتخصص في العمل الاجتماعي، العمل التطوعي بالاستثمار الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث أصبح أحد رموز تقدم الأمم، وأحد متطلبات الحياة المعاصرة، وتستمد التجربة السعودية في العمل التطوعي قوتها من رؤية 2030 حيث يُعد التطوع أحد أهم العناوين البارزة والمحاور الرئيسة في ما يخص رؤية المملكة المستقبلية، والوصول بعدد المتطوعين من 320 ألف حاليا إلى مليون متطوع في عام 2030 (بمقدار أكثر من 50 مليون ساعة تطوعية)، وتوفير البيئة المناسبة التي يُمكن عن طريق تنمية العمل التطوعي وتحفيز أكبر عدد ممكن من المتطوعين للاشتراك به والاهتمام بالمتطوعين.
[box type=”note” align=”” class=”” width=””]اتفاق بين الآراء على أن التطوع عمل إنساني جوهري يرتقي بالمجتمع ويحقق جوانب إيجابية غير محدودة .[/box]
وحذر “الجوهر” من استغلال بعض مؤسسات القطاع الخاص والأهلي السيء في سلب جهود المتطوعين بغير مجالات التطوع لتلمع صورة التطوع في قالب من الاستغلال وتوفير المال لتنظيم الفعاليات والمناسبات، رغم أن التطوع أسمى من أن تكون غايته المال أو المصالح الشخصية، ومع أن تعريف العمل لتطوعي المعتمد من برنامج الأمم المتحدة هو “عمل يقوم به الفرد لصالح العام اختياريًا دون مقابل مادي”، إلا أن هناك استغلال للشباب والفتيات في بعض الأعمال الربحية بذريعة العمل التطوعي دون حصول المتطوع على أي مقابل معنوي أو أي حق له مثل (التغذية – الملابس- الأجهزة – وغيرها) مما يشوه صورة هذا العمل الإنساني النبيل، لذا اتجهت بعض المؤسسات إلى تنظيم الملتقيات مستعينة بأيدٍ لا تبتغي من ذلك سوى شهادة غير معتمدة فقط، تُحصي عدد ساعات التطوع.
ويرى مساعد. مدير. التعليم. سابقا الكاتب والمؤرخ الأستاذ “عبدالله الذرمان”: أن الأصل في العمل التطوعي أن يكون تطوعيًّا في جميع منظومته، وفي المقدمة القائمين على الإعداد والتخطيط والتنفيذ على حد سواء فإذا تباين التعامل؛ كأن تأخذ فئة مقابلا وفئة لا، يدخل التعامل في نطاق الاستغلال غير المحمود والذي يتنافى مع أخلاقيات التطوع.
ومع وجود منصة العمل التطوعي التي تطور وتنظم العمل التطوعي في المملكة وربطها في منصة (أبشر) إلا أنه عندما غابت التخصصية في الأعمال التطوعية أصبحت أغلب البرامج والمبادرات عشوائية، حتى ظن الغالبية أن المتطوع هو (فرد مأمور) يعمل دون مقابل، فاستغلت بعض الجهات هذا المتطوع وهذه الجهة ليوفروا عليهم أجر جلب من يقوم بهذا العمل.
فيما يشير الكاتب المهندس “عبدالله الشايب” إلى أن تكريس العمل التطوعي ومقياسه في المجتمعات هو مقدار عطائه، أي تفاعله إيجابيًا وبوعي لما يقوم به، فالتطوع يأتى بإرادة ذاتية للقيام بالعمل من غير أجر مادي، والإسلام واضح في حثه على ذلك حيث قال تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعنوان”. وكان آباؤنا يكثرون من العمل التطوعي الجمعي لوضوح مسيس الحاجة، وكان الخلل يعنى تأثر الجماعة، فمثلًا كانوا يضربون الثبارة (تنظيف الأنهار وتسيل الأمطار فى السكك (الأزقة) وتنظيفها، وبناء البوابات والأسوار، حفر القبور، المساعدة في الزواج (الطبخ والتهيئة) وخدمة دور العبادة…………..إلخ) ومع ذلك كانت ترتبط هذه الأعمال بقيم اجتماعية منها الشهامة والكرامة والرحم، ولا تخلو من نشر فكر التسخير الذي يؤدي إلى السخرة كالخدمة فى بيوت الإقطاعيين ومزارعهم إلاّ أن العمل التطوعى موجود فى إرشاد العميان وإطفاء الحريق.
العمل التطوعي في المجتمعات الحديثة :
عندما نشأت الدولة الحديثة ارتبط العمل التطوعي بإنشاء المجتمع المدني لغرضيين؛ الأول تنظمي والثانى لزيادة المجال والتخصيص، فإنشات الجمعيات الخيرية والنوادي ولجان التنمية والجمعيات العلمية والهيئات المدنية واللجان الصحية واللجان الاجتماعية المختلفة، كحفلات الزواج الجماعي ولجان الاحتفالات ولجان التكريم والمنتديات، فصار لها وجود ملحوظ ومشكور في نفس الوقت من حيث :
- أصبحت المجتمعات الآن معنية بذلك، بل وأصبح الحديث الآن يدور على فعاليتها بالمجتمع الحالي..
- بالفعل فمن خلال العمل التطوعي تجد الإنسان في أمس الحاجة لأن يرى إسهامات ونتاجه أمامه، وذلك على متطلبات عمارة الأرض، يرى أثر مجهوده التطوعي وتأثيره على مجتمعه.
- إن العمل التطوعي يختلف عن العمل التخصصي! بالفعل فكثير من الأعمال التطوعية غير مرتبطة بالعمر أو الجنس أو التحصيل العملي والمكانة الاجتماعية، بل بطبيعة العمل؛ حيث مساعدة الأعمى لقطع الطريق وحمل الأغذية إلى بيوت الفقراء وتقديم الخدمات في الزواج وتيسير مهمة التشييع ودفن الموتى ونظافة المجتمع وما إلى ذلك
- إذا ارتبط التطوع بعنوان الشخصية أدى إلى تفريق اجتماعي مؤداه في النهاية إلى تكريس الطبقية، فالعمل التطوعي المتكافئ هو الذى يعمل المواطنين ومن ثم تحقيق المواطنة الصالحة مع عدم إغفال مجتمعنا من العمل التخصصي؛ الإرسال إلى الطبيب والمهندس والمأذون الشرعي والمعلم والنحلاوي.
لكن كيف لنا أن نرتقى بالعمل التطوعي؟
من خلال التنشئة الاجتماعية للأجيال لربطهم بهذا العمل وتعويدهم حتى يكونوا أعضاء مهما كانت طبيعة أسرته ومقامه المادي وذلك عبر المشاركة المدرسية في الرحلات والجمعيات ومشاركة المجتمع في الأيام والأسابيع للتوعية المختلفة، وفي بعض الدول يكون عقاب الأحداث أن يحضر شهادة بساعات العمل التطوعي، فلا شك أن العمل التطوعي يحتاج إلى إرادة اجتماعية وصحوة تفرق وتبين فهم الإشراف والمشاركة حتى لا تسرق الجهود يضعف المنتج، ونحن بحاجة إلى العكس.
إن درجة الإيجابية لا تكمن فقط في الوجود، وإنما بعلو السقف المستهدف ودرجة تأثيره، فالجهود التوعوية في هذا المجال ذات ضرورة قصوى لتوعية الجهد لدى المواطن ليكون أكثر فاعلية في المؤسسات العامة والدور الثقافية والمتاحف ومراكز الخدمة الصحية والخيرية ودور الإرشاد الأسرى فضلا عن دعم ما هو قائم في الدولة الحديثة.
لذا يتجه العمل التطوعي إلى تنظيمه عبر مؤسسات المجتمع المدني وذلك: (لتنظيم العمل، والاستفادة من الطاقات، وإتاحة الفرصة للمشاركة، والإعلان عن الحاجة للمشاركة).
نماذج من التطوع في بلادنا
2/ ظهور جماعات ترتبط برغبة تفعيل وجودها من خلال الحاجة، مثل جماعات البيئة وجماعات نشر الوعي الصحي وجماعات الحفاظ على الحياة الفطرية وجماعات الاهتمام بالتراث وجماعات الاهتمام بالقراءة والطفولة وجماعات العناية بالأسرة ومنها انطلقت كثير من المشاريع، كالزواج الجماعي والتبرع بالدم ونظافة البيئة ونشر الكتب وإقامة المعارض التشكيلية والملتقيات والمنتديات الثقافية وأبعد من ذلك في رعاية المقابر وفي تحسين البيئة البصرية وفي زراعة الأشجار، وجماعة الإنقاذ وغيرها.
3/ في ظل وجود منشآت اقتصادية كبرى استطاع رجال في فترة ما الاستفادة من هذا التوجه، من خلال استقطاب تلك الجماعات وإقامة ندوات وفعاليات على حساب إتاحة الفرصة للتطوع، وهذا النوع من الإدراك لدى رجال الأعمال وخاصة عندما يتماهى تحت عناوين الخدمة والإظهار أمر لا يدركه المتطوع أو المتطوعة أنه يندرج تحت الاستغلال حتى مع كون العمل المنفذ جميلا في ذاته على سبيل المثال:
- تقام كثير من الندوات و الأمسيات بمختلف نوعياتها دون أن يكافأ المتحدث.
- يتم الترتيبات و التنظيم في فعاليات على المتطوعين مجانًا.
- يسوق لمهرجانات باعتبار تخصيص مكان للمشاركة على سبيل المثال الحرفيين مع شروط لا تفي بمقابل الأداء كشرط السماح بالبيع فقط.
- بدلا من تنمية مؤسسات المجتمع المدني مرتبط بجهة التخصص أصبح استقطاب الفعاليات مثلا في الأسواق دون كلفة على المستثمر.
[box type=”note” align=”” class=”” width=””]في بلادنا الكثير من أنواع وأشكال العمل التطوعي مابين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتحقيق رؤية 2030.[/box]
4/ إن أنظمة العمل في المملكة تشترط عمل عقودًا بين صاحب العمل والمتطوع ويدفع له مقابل و هنا لا يجب الخلط بين الجهة الاستثمارية أو مؤسسة المجتمع المدني القائمة في ذاتها على الفعل التطوعي، وعدم إدراك الشاب والشابة ذاك لا يعفي رجال الأعمال والمستثمرين من مسؤوليتهم بأن يكونوا أكثر إيجابية تجاه العمل التطوعي ونشر ثقافته وتمكين الاستحقاقات، ولعل مراكز العمل التطوعي واللجان تساعد في إنماء الوعي لكل الأطراف لتحقيق عدالة اجتماعية، لكن أيضا في الجانب الآخر يجب على المتطوعين أن يعوا إن كان هذا العمل ضمن مؤسسات ومناشط استثماري فليتوقفوا ما لم يكن هناك مقابل ويضعوا جهدهم التطوعي في مكانها ضمن مؤسسات ومناشط اجتماعية في الأصل، قائمة في مهامها على مساندة العمل التطوعي.
5/ في مجتمعات الأحساء يقال لهم “أحسائيون طيبون” حيث يقبع العمل التطوعي في وجدانهم ويتم توارثه جيل بعد جيل، بعيدًا عن أي نوع من التمايزات الاجتماعية وغيرها، بل في الإجمال يعتبر العمل التطوعي وانتشاره في مجتمعات الأحساء من نافلة القول وهو أنموذج يمكن تعميميه في مجتمعات أخرى.
ولو خصص كل منا جزءًا من وقتة لعمل تطوعى سنلبي حاجتنا ونكون شركاء فى وطننا الغالي، في ظل أهداف القيادة الرشيدة وإتاحة الفرصة فى جو متسامح يفرضه ديننا وإنسانيتنا مع خفض الجناح لإخواننا مهما كان موقفنا.
6/ نرى النوادي الرياضية مثل نادي هجر بالهفوف ونادي العدالة بالعمران والجمعيات الخيرية والتنموية، مثل جمعية العيون الخيرية وجمعية البطالة الخيرية ولجان التنمية وكذلك الجمعيات التخصصية كجمعية المعوقين وجمعية المتقاعدين، مثل لجنة التنمية بالمنصورة ولجنة التنمية بالخالدية بالهفوف والجمعيات العلمية، مثل جمعية علوم العمران ونادي الصيادلة.
وهذا بالطبع جيد وينسجم مع إنماء العمل التطوعي وبرنامج التحول الوطني ورؤية ٢٠٣٠ التي تركز على انتشار العمل التطوعي؛ لما له من فوائد ذاتية على الأشخاص والجماعات وفوائد مرتبطة بجنس العمل، ويعبر كنتيجة عن أنسنه المدن وجودة الحياة ونشر المتعة والفرح والعمل التطوعي متعدي الجنس أو ما يعرف بالجندر أي الذكور والإناث وكذلك الطيف العمري والطيف الفكري أو الاجتماعي.
-لكن يبقى الكثير من الأعمال التطوعية التي تنجز فرديًا أو جمعيًا عبر التعاون بحسب الحاجة: مع هذا الانتشار وارتفاع الأداء الكمي والتوعي للعمل التطوعي خاصة في جيل الشباب والشابات وحماسهم للمشاركة الفعلية، مما يشكل وعيًّا متقدمًا، حيث رأينا مثلًا في تجربة تحسين منتزه الأحساء الوطني أكثر من مائة وخمسين جماعة تطوعية، فاق عدد المشاركين الألف وخمسمائة متطوع ومتطوعة.
ختامًا:
إنماء العمل التطوعي ليس مهمة صعبة ولكنه هدف نضعه أمام أعيننا ونرى في وجود القيادة الرشيدة وفقها الله ورعاها مصدر فخر للمملكة ورؤيتها، كما أن واجبنا الاجتماعي تجاه المتطوع هو شكره وتقديره وتحفيزه وحفظ حقه الأدبي وكرامته، بجانب الفخر به في وطننا الكريم.
العمل التطوعي المدروس من جميع النواحي يشجع الغير على الاعمال التحمس للاعمال التوعية وتحت مظلة الجمعيات المعتمده في البلاد
جميل استفدت منه في بحثي ماقصرتم