قلمٌ مِدادُه حب الوطن
سبحان من جعل حب الأوطان فطري مثل حب الأمهات، عندما يولد الإنسان لا يرى سوى أمه، يألفها، يأوي إليها، يعشق حضنها، وينعم بحنانها، ويتغذى من حليبها، ويكبر في حجرها وتحت رعايتها وحرصها، يتشرب حبها ويدين لها بعد أن يصبح ناضجًا بما قدمت له طوال السنين.
مشروع عمر لا تدري الأم متى تجني ثمارَه: حب وإخلاص وتفانٍ ومعرفة قدر، وردُّ معروفٍ (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، تجني ثماره عطاء وولاء، تجني ثماره حرص وخدمة.
كذلك الأوطان، نولد على أرضها ونتشرب حبها، نأمن بوجودنا في أحضانها، نلعب ونعبث في صغرنا، نحب هضابها وجبالها وسهولها، وكل ما يميزها في أعيننا عن غيرها، فهي بالنسبة لنا جنة وإن كانت صحراء خاوية أو جبال عالية أو حرات ووديان، هي جمال مغروس في فكرنا وحب فطري يجري في دمنا.
حب الأوطان لا يضاهيه حب، ولا ينازعه مكانة، ولا يعوضه شيء.
عرفت الكثير من أبناء هذا الوطن الذين سافروا كثيرًا، وزاروا دولًا أكثر تقدمًا وحضارة وطبيعة أكثر جمالًا، لكنهم عندما يعودون لهذا البلد يجدون شعورًا مختلفًا يذكرهم بأيام الصغر عندما كانوا يغيبون عن أأمهاتهم بعض الوقت ثم عندما يجد الواحد أمه يرتمي في حضنها، لماذا؟ لا ندري.. ربما إحساس فطري بالأمان، يعتقد أنه أصبح قويًّا.
إنها الأوطان يا سادة.. ليس لحبها سبب وليس لعشقها مغريات أو مواصفات، والواجب علينا عندما نكبر أن نعرف أن الوطن ينتظر منَّا أن نكون له قوة، أن نكون له سندًا، أن نحميه بالفكر الصحيح والرأي السديد، أن نعمِّره بالعلم والمعرفة، أن نكون يدًا واحدة في وجه من يستهدفه، وهذا طبيعي لكل الناس تجاه أوطانهم.
ولكن وطني غير كل الأوطان: مهد العروبة، ومنبع الوحي ومهبط الرسالة، بلد وطأت قدما رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ترابه، ومنه انتشر نور الإسلام. بلد الصحابه وأول خلافة إسلامية، وأول عواصم الإسلام (المدينة المنورة، ومكة المكرمة)، والبيت العتيق.
ماذا اقول لمن يزايدون على حبه؟! ماذا أقول لمن يخونونه؟! ماذا أقول لمن يدسّون له الدسائس وهم من أبنائه ونعموا بخيراته؟!.
إن توحيد هذا البلد على يد المغفور له –بإذن الله- الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، كان يومًا عظيمًا، رفع الله به هذا البلد من ذل الانقسامات والتبعيات ووحّد صفّه وأعلى رايته.
نحن في هذه الذكرى المجيدة نعلم أن هذه إرادة الله الذي أراد بنا خيرًا، ونعلم أنها لم تتوحد الأمة تحت راية واحدة وقيادة واحدة إلا بجهود عظيمة من الملك عبد العزيز ورجال هذا البلد المخلصين، ثم مضى شامخًا من جيل إلى جيل مسيرة (٩١) عامًا حافلةً بالعطاء والتطور، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من مكانة ورخاء وتقدم.
لذلك.. يجب علينا في هذا العصر الذي نعيش فيه ملوكًا وسط غابة من الجياع والمشردين والحروب أن نحمد الله على فضله وأن نحافظ على ثوابتنا الدينية ومكتسباتنا الأمنية والاقتصادية، وأن نعمل بإخلاص وتفانٍ، كل فيما يخصه؛ لرفعة الوطن، وتفانٍ كل فيما يخصه؛ لرفعة الوطن حقه علينا.
حفظ الله المملكة العربية السعودية -بلد العزة والكرامة- وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وهذا الشعب الأبيِّ.
العميد المهندس الركن الدكتور/ محمد عبد الله الأصلعي