هيئة التراث تحتفي بأولى البعثات الاستكشافية في عهد الملك عبدالعزيز
تعتزم هيئة التراث بالشراكة مع دارة الملك عبدالعزيز وجامعة لوفان وجامعة لوفين البلجيكيتين تنفيذ مشروع وطني رائد، وهو الاحتفاء بالبعثة الاستكشافية الأثرية البلجيكية، التي تعد أول البعثات الاستكشافية الأثرية التي جرت في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وقام بها مجموعة من الباحثين البلجيكيين المتخصصين من جامعة لوفان وهم (كونزاك ريكمنز) أستاذ اللغات السامية في جامعة لوفان، و(فيليب ليبينز) الخبير في تخطيط الرسوم والآثار القديمة والنقوش، و(جاك ريكمنز) المتخصص في علم اللغة المقارن وعلم النصوص القديمة، والتاريخ الحميري والسبئي، وترأسها (عبدالله فيلبي)، واستمرت ما يقارب أربعة أشهر خلال عام 1371هـ (1951-1952م)، وقطعوا فيها أكثر من 5400 كيلومترٍ في مناطق غرب وجنوب ووسط المملكة، حيث قاموا خلالها بالبحث عن الآثار والنقوش وتصويرها وتسجيل الملحوظات اليومية للبعثة الاستكشافية.
وحظيت البعثة باهتمام من الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، حيث لم يقتصر ذلك الاهتمام على الموافقة السامية على البعثة، بل بصدور أوامره الكريمة بأن تكون جميع تكاليف البعثة التي تشمل المآكل والتنقلات والمصاريف الأخرى على نفقته الخاصة، كما أصدر -رحمه الله- أوامره لجميع أمراء المناطق التي مرت بها البعثة بتقديم المساعدة لها ومن ذلك توظيف مرافقين لفريقها العلمي، ويشير فيلبي إلى ذلك حين يقول: “وبفضل تفهم وتشجيع الملك العظيم عبدالعزيز بن سعود تمكنَّا من السير في الصحاري دون أن نفكر في الأخطار، ولا في القيود الرسمية، ولا في أصغر المشكلات التي نواجهها في مثل هذه الأسفار”.
وخلال هذا المشروع الوطني الشامل لهيئة التراث المسمى بـ (توثيق المحتوى العلمي لبعثة ريكمنز) سيقوم فريق العمل على تحويل النصوص والوثائق الخاصة بيوميات البعثة من الكتابة بخط اليد إلى الصيغة الرقمية، و ترجمتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية والإنجليزية تمهيدًا لنشرها على نطاق واسع، بالإضافة إلى ذلك، سيعاد إحياء تلك البعثة الإستكشافية الأثرية وذلك بالقيام برحلة علمية استكشافية مماثلة على خطى البعثة السابقة تحت عنوان (على خطى ريكمنز) مكونة من فريق مشترك سعودي بلجيكي يتألف من عددٍ من الخبراء والمختصين فـي البحث العلمي والآثار والتاريخ القديم لتوثيق مسار البعثة الذي انطلق من مدينة جدة، عابرًا الطائف، وتربة، وبيشة، وخيبر الجنوب، وأبها، وخميس مشيط، وطريب، وتثليث، ومريغان، ونجران، وقرية الفاو، وحصاة قحطان، وحلبان، والرويضة، ومأسل، وصولًا إلى العاصمة الرياض، حيث جُهزت البعثة بأحدث الإمكانات والأجهزة والتقنيات والدعم اللوجستي لإنجاح مهمتها.
وسيشمل المشروع ضمن مخرجاته المتعددة على إصدار فيلم وثائقي عن مجريات البعثة الحديثة وربطها ببعثة ريكمنز القديمة اللتين يفصلهما عن بعضهما زمنيًا (74) عامًا، إضافةً إلى إصدار كتاب تذكاري عن البعثة وأبرز نتائجها، مع استكمال معلومات النقوش الواردة في يوميات البعثة من المصادر العلمية، وسينشر هذا الكتاب باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والهولندية.
وتعتزم الهيئة تنفيذ لقاء علمي، ومعرض بالصور والوثائق، عن بعثة ريكمنز ونتائجها في المملكة وفي بلجيكا في عام 2024 احتفاءً بهذه المناسبة العلمية.
كما سيخرج من هذا المشروع العديد من المعطيات العلمية والثقافية والاجتماعية ذات القيمة المضافة، منها تسليط الضوء على الدور الرائد للملك عبدالعزيز في المحافظة على التراث الوطني بشكل خاص، وإبراز دور المملكة في المحافظة على تراثها المادي وغير المادي بشكل عام، وتسليط الضوء على دور البعثات الأجنبية والرحالة الغربيين.
ويسعى المشروع ضمن أهدافه إلى زيادة الاهتمام بتوثيق النقوش والكتابات القديمة في المملكة، وتحفيز المجتمع للاهتمام بالتراث والمحافظة عليه، وزيادة الوعي لدى الناشئة بتراثنا الوطني، بما يعزز جهود مكافحة أعمال التخريب للمواقع الأثرية، إلى جانب إبراز الصور الفوتوغرافية التي نتجت عن البعثة، وهي صور يمكن من خلالها معرفة المواقع الأثرية القديمة والتاريخ الاجتماعي وإجراء مقارنة مع الحاضر لنستجلي منها مدى التغيرات الاجتماعية والثقافية وأيضًا البيئية في المملكة العربية السعودية خلال سبعة عقود.