تحتفل المملكة العربية السعودية هذه الأيام بيومها الوطني الواحد والتسعين، وتسعة عقود في عمر تاريخ الدول العظمى هو سن الشباب والحيوية، أو لنقل هو سن التنمية والبناء والقوة. قبل نحو تسعة عقود وتحديداً في عام 1351هـ الموافق 1932م سجل التاريخ مولد المملكة بعد ملحمة بطولية تمكّن فيها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- من توحيد هذه البلاد وقيادة شعبه لتحقيق ذلك الإنجاز العظيم. استغرقت تلك الملحمة 32 عاماً من البطولات والكر والفر، تكلّلت بتوحيد شتات الوطن وتحقيق أول وحدة عربية ناجحة في العصر الحديث، وبذلك تبدّل الشتات بالوحدة والخوف بالأمن، والفوضى بالنظام والجهل بالمعرفة والفقر بالغنى والمرض بالصحة والأقصى بالمكانة.. والعزلة بالانفتاح والضعف بالقوة والتبعية بالاستقلال.
تسعة عقود شهدت إنجازات حافلة ومهمة، بدايةً من توحيد بلاد شاسعة واسعة، مروراً بمراحل خطط التنمية المختلفة، والتي شهدت اهتماماً مذهلاً بتطوير البنية التحتية للبلاد، واستحداث الطرق والموانئ والمطارات والسكة الحديدية، بالإضافة للنقلة الهائلة في القطاع التعليمي بتأسيس أعداد مهولة من المدارس والمعاهد والجامعات. وحصل ذات الشيء في مجال الخدمات الصحية، التي شهدت طفرة عظيمة في الخدمات والإمكانيات والمنجزات أكبر من أن تستعرض في سطور أو يحاط بها في مقال مهما كان بليغاً، والواقع يشهد بذلك.
وعلى مدى أكثر من تسعة عقود كانت هناك تحديات ومصاعب ومخاوف منها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الأمني ومنها الإرهابي ومنها الاجتماعي. شهدت البلاد تداعيات الحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت، وإرهاب جهيمان والقاعدة وحزب الله وداعش، والتشدد باسم الدين الذي ولد ببيئة خانقة، وقد تجاوزت الرياض بحنكة قادتها وحكمة سياستها كل تلك التحديات، وصولاً للعهد الحالي بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والذي شهد إصلاحات في منتهى الأهمية خاصة فيما يتعلق بتمكين المرأة، وتنويع الاقتصاد، والحقوق والحريات الاجتماعية التي أزالت قناع التشدد.
طيلة الـ 91 عاماً الماضية حاول الخصوم أن ينالوا من هذا المنجز الكبير، ولكن خاب سعيهم، وتفتّتت مؤامراتهم على صخرة الوطن المتينة. وها نحن على مشارف قرن من الوحدة والمجد في “وطن العلياء”، وأمامنا رؤية المستقبل “2030” منارة وبوصلة للمتفائلين الطامحين لعنان السماء.