إن المتتبع لتاريخ الأمة العربية منذ عصرها الجاهلي وحتى يومنا هذا يجد أنها لا تجيد إلا الصراخ، إما نثراً أو شعراً، فهي ظاهرة صوتية كما سماها عبدالله القصيمي في كتابه كونها أمة تجيد الهياط الممزوج بالصراخ الموجه دوماً لإثارة النعرات العصبية والحث على القتل والتخريب والتدمير كما يتضح من وصف الشاعر الجاهلي عمر بن كلثوم حين قال :
بأنا المُطعمون إذا قدرنا * وأنا المهلكون إذا ابتُلينا
وأنا المانعون لما أردْنا * وأنا النازلون بحيث شِينا
وأنا التاركون إذا سخطنا * وأنا الآخذون إذا رَضينا
وأنا العاصمون إذا أُطعْنا * وأنا العارمون إذا عُصينا
ونشرَب إن وردنا الماء صفوًا *ويشرب غيرنا كدرًا وطينا
إذا ما الملْك سام الناس خسفًا *أبينا أن نقرَّ الذلَّ فينا
ملأنا البر حتى ضاق عنا ** وماء البر نملؤه سَفينا
إذا بلَغ الفطامَ لنا صبيٌّ ** تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا
فماذا فعل العرب في العصر الجاهلي بعد كل ذلك الهياط بالطبع لم يفعلوا غير الحروب والضياع الذي استمر حتى جاءت الرسالة المحمدية التي حملت كل الحلول الربانية لإخراج هذه الأمة من الظلمات التي كانوا يعيشونها إلى النور الذي يستوجب أن يكونوا عليه، وتم ذلك فعلاً لكنه لم يستمر طويلاً حيث عادوا إلى ما كان عليه آباؤهم ولم يفلح فتحهم للبلدان المتحضرة آنذاك كالروم والفرس، بل ضاعوا مرة أخرى في خضم صياحهم النثري والشعري، حتى سبقتهم الأمم بمراحل وتحولوا إلى أمة مستهلكة ضامرة الفكر يتدافعون خلف صراخ البعض .
ولعل واقع الحال الذي عاشته أمتنا العربية خلال قرننا هذا وما قبله يؤكد أن هذه القضية متجذرة في أعماق جينهم فهاهم يتسولون العالم ويعيشون تحت حمايته وكثير من أفرادها لازالوا يعتلون المنابر وأجهزة الإعلام ليمارسوا الصراخ المعهود ولسنا ببعيد عن المرحلة التي أطلق بهتاناً مسمى الصحوة التي ملأت فيها الدنيا صراخاً وردحاً وبكبكة ثم أكتشفنا أن أمتنا تسير إلى الخلف بفعل متقنوا الصراخ.
لكن الأمل بدأ يلوح في الأفق بأن مرحلة الصياح قد بدأت مرحلة الضمور وحل محلها مرحلة العمل الجاد وهذا يتضح بجلاء في بعض الدول العربية التي بدأت تخوض غمار التطور بتسارع لافت بمختلف صورة وليس أدل على ذلك بما تعيشة المملكة العربية السعودية ضمن خطتها الطموحة 2030 من تطور متسارع في مختلف المجالات الحباتية حيث اراها تسابق الزمن وتخطو الخطوات المتباعدة في عملية التطوير بصمت ودون ضجيج وما نلمسه من حركات تطويرية خلال بضع سنوات فقط يفوق ما انتجته المجتمعات العربية منذ عشرات القرون .
والله من وراء القصد…
بقلم: محمد سالم الغامدي