الفكر ينمو ويتطور بنمو وتطور معززاته المحيطة به، فما وهبنا الله تعالى من عقول لم نستثمر منها إلا القليل جداً ومازالت البقية منه تنتظر التحفيز والتفعيل بالابتكار والاختراع.
ولاشك بأن الأمم تسعى للإرتقاء بشعوبها حضارياً إلى أعلى المراتب لتصبح أمماً متحضرة منتجة واعية راقية تستطيع أن تتفاعل مع كل ما حولها بإيجابية، وتتحلى بالقيم الفاضلة والسلوكيات الحميدة، وتمارس طقوسها الدينية بتوازن ووسطية بما يتناسب ورضا الخالق وتنفيذ تعليماته المنزلة في الكتب السماوية، كما تستطيع أن تمارس مبادئ العدل والمساواة والتكافل والتراحم بين أفرادها.
ودون شك أن تحقيق ذلك الهدف البعيد يستوجب من حكوماتها أن تتولى عملية الإصلاح الفكري والاجتماعي والاقتصادي والإداري من خلال خطط استراتيجية قد تمتد لعشرات السنوات، لكن الأهم من ذلك والذي يغفل عنه الكثير من حكومات الدول وخاصة في وطننا العربي أنها تهتم بإصلاح جانب أو عدة جوانب من تلك المنظومة ثم تتجاهل الجوانب الأخرى، حيث يترتب عليه ذلك البناء الحضاري المنقوص الذي يعيق مسيرة المنظومة الحضارية كاملة.
لذا يستوجب أن تكون عملية الإصلاح والتطوير متناظمة متوازية مستدامة، وحتى يتحقق تسارع عملية التطوير والإصلاح في تلك المجتمعات فلا بد أن يحظى تطوير وإصلاح الفكر بالأولوية والقدر الأعلى من الاهتمام كون هذا العنصر يعد الدينمو المحرك لكل العناصر الأخرى، ولإصلاح الفكر متطلبات في غاية الأهمية لابد من تحقيقها من خلال منظومة أخرى ذات علاقة بهذا الجانب وفي مقدمة عناصر تلك المنظومة إصلاح المخزون الثقافي التراثي بكل مكوناته وهذا الأمر تحديداً يستوجب إعادة تنقية التراث وخاصة التراث الديني فهو من يغلب عليه تفاعل الأحداث اليومية.
وبما أننا أمة قد منحنا الله من عنده كتاباً محكما ومفصلاً لكل ما نحتاجه في حياتنا الدنيا والآخرة فإن ذلك يعد نعمة لا تقدر بثمن يغنينا عن كل رأي بشري، وما علينا الا التمسك به وبما يوافقه من كلام البشر، ثم تأتي بعد ذلك أنظمة التعليم التي تعد المنطلق الأساس لكل عملية تطوير وكل عملية تنموية.
ولعلنا نستلهم بعض الأحداث الفكرية التي كان للمجتمعات العربية النصيب الأكبر من نواتجها السلبية وهو تنامي العمليات الإرهابية واختلاف صورها واتجاهاتها حيث إن ذلك الفكر المتشدد الإقصائي التكفيري التفجيري لم ينشأ من العدم أو موروث جيني بل نشأ وترعرع وأينع من خلال الكثير من المحتوى المنهجي الذي امتلأت به كتب التعليم وتوارثته حتى تحول إلى سلوك مجتمعي ممارس في العديد من تلك المجتمعات.
ثم يأتي بعد ذلك دور الإعلام بمختلف صوره واتجاهاته وخاصة في ظل هذا التسارع التقني، حيث يستوجب إعادة النظر في محتوى ذلك الإعلام بما يتوافق مع متطلبات التطور والتنمية في الدول العربية والإسلامية.
ثم يلي ذلك التحديث المستمر للأنظمة المدنية بمختلف اتجاهاتها والحرص على تطبيقها التطبيق الكفيل بتحقيق العدل والمساواة دون النظر إلى فئة دون أخرى، ثم يلي ذلك إصلاح المنابر الدعوية والإرشادية حتى لا تتحول إلى معاول هدم في المجتمعات الإسلامية.
فهل يتحقق ذلك المطلب الذي نتمنى رؤيته في المجتمعات العربية والإسلامية ؟ .
بقلم: د. محمد سالم الغامدي